كلمة رئيس التحرير

الزمن اللبناني الضائع في حسابات المنطقة…

اقتربت الساعة التي نودع فيها عام 2022 ليصبح من الأعوام الماضية والذي حمل في أيامه الكثير من المأسي والأحزان والنكبات وانهياراته الاجتماعية والاقتصادية والمالية والمعيشية وعدم استقرار الأمن ، وكان المواطن المسكين ضحية الدواء المزور والغداء المغشوش والماء الملوث وتيار الكهرباء المقطوع والمتاجرة بلقمة عيشه من خلال التلاعب في سعر صرف الدولار لتصبح مافيات النفط والغاز، والمستشفيات، والأدوية والمواد الغذائية لا ترحم تحت حجة ان الدولار هو السبب وطبعا من هم هؤلاء التجار هم ازلام السياسيين المتربعين على عرش السلطة يتقاسمون الغنائم فيما بينهم، مع ما ترافق ذلك من انهيار للقيم والأخلاق.
هكذا نحن اللبنانيين دائما نودع عام غير آسفين عليه، منتظرين ما يمكن أن يحمله لنا العام الجديد من متغيرات إيجابية ، ويبدو ان الايجابية في المدى المنظور او البعيد مستحيلة ، وان من يراهن على حلول في بداية العام الجديد فهي مراهنة خاسرة، ولا بارقة امل للوصل إلى تفاهمات تفضي إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتنهي حالة الانقسام السياسي وتعزل لبنان عن تداعيات الحروب في المنطقة الا ان التحليلات تقود إلى الاعتقاد ان المراوحة اللبنانية ستستمر في المرحلة المقبلة من العام الجديد، وان لا بارقة أمل في الافق لأي تغيير في الواقع المرير والمملؤ بالضغوط الاقتصادية والمادية والمشاكل الاجتماعية والهواجس الأمنية، بل ربما كان الضباب كثيفا بحجب الرؤية عما هو آت على ظهر التسويات والصفقات الكبرى التي تجعل اللاعبين المحليين مجرد بيادق على رقعة المجتمع الدولي وخاصة رقعة الشطرنج الأمريكية الاوروبية – الروسية والتي سجلت فيها روسيا حصارا” قويا” على أوروبا وأمريكا من خلال الحرب على أوكرانيا.
واذا كانت جولة المنازلة بين روسيا وامريكا وأوروبا لم تنتهي بعد فإن لذلك تبعات كبرى على المنطقة وبالتالي على لبنان الذي مازال ساحة تقاسم نفوذ دولية واقليمية وعربية، ما يعني أن لا إمكانية في الوقت الراهن لوضع اي تصور لمستقبل لبنان وأزمته الرئاسية والسياسية.

 

 

من هذا الواقع يمكن القول إن النقاش الدائر في لبنان ليس سوى محاولة لملء الفراغ الكبير في قراءة نتائج الحرب الروسية الاوكرانية وتداعيات التسوية حول سورية. ولذلك فإن كل التوقعات بإمكانية صياغة تسوية داخلية، هي توقعات من باب التكهنات التي لا تستند إلى حقائق موضوعية مفادها
اولا :إن ألمأزق الرئاسي الراهن بات مرتبطا بشكل مباشر بإمكانية حصول تسوية سعودية – إيرانية وهو امر متعذر في الوقت الراهن نتيجة انقطاع الاتصالات المباشرة بين الرياض وطهران وإن جاء لقاء وزيري الخارجية السعودية والإيرانية على هامش مؤتمر العراق الذي عقد في الاردن، تفتح كوة تفاؤل بإمكانية حصول تفاهم جزئي حول لبنان علما ان هذه الدعوة تزامنت مع لقاءات بين الجانبين بوساطة عراقية وعلى الرغم من موقف السعودية المتشدد ضد ح ز ب ال ل ه حيث تتحدث مصادر خليجية عن إجراءات صارمة تؤكد أن قرار المواجهة مع الحزب هو قرار جاد ومستمر. ما يعني ان اي لقاء بين الجانب السعودي – والايراني سيكون من دون مفاعيل لبنانية بالحد الادنى وبالتالي فإن احتمال تفاهم سعودي – إيراني حول الوضع اللبناني مازال بعيدا”.
ثانيا : إن اللاعبين الدوليين المؤثرين في لبنان منشغلون بالوضع الاوكراني، وبالتالي فإن الانشغالات الدولية مرتكزة في مكان آخر غير لبنان وهو ما عبر عنه اكثر من جهة دولية وعبر عنه السفراء الغربيين في لبنان من خلال التأكيد على ضرورة ابقاء الوضع اللبناني تحت السيطرة في هذه المرحلة، ومنع حصول إربكات تؤدي إلى فلتان الوضع الأمني، لأن الوقت لم يحن بعد لوضع الازمة اللبنانية على مشرحة الاهتمامات الدولية رغم التأكيد الفرنسي على ضرورة اجراء الانتخابات الرئاسية بأسرع وقت .
ثالثا : ان الأطراف اللبنانية إرتضت وضع كل رهاناتها على الخارج، وهذا ما يعني أن إمكانية فك الازمة اللبنانية عن حروب المنطقة بات أمرا” صعبا” ومستحيلا”. قبل أن تتوضح نتائج الحروب السورية واليمنية والاوكرانية الذي من المبكر التكهن بنتائجها.
رابعا : ان حالة الاهتراء على مستوى مؤسسات الدولة بلغت مرحلة متقدمة ما يعني إن اي محاولة لصياغة تسوية ما لا بد وان تاخذ في الاعتبار إعادة النظر بالواقع الرسمي لجهة إعادة بناء الدولة مع ما يتطلب من عقد مؤتمر تأسيسي لكتابة تعديلات دستورية قادرة على إعادة تركيب الدولة على أسس جديدة، ما سيؤدي إلى صياغة تفاهم جديد بين اللبنانيين ينطلق من اتفاق الطائف، لكنه يتجاوز صيغته على اعتبار ان اتفاق الطائف قد إنتهى عمليا في وجهة نظر اكثر من طرف سياسي.
كل تلك المعطيات تقودنا إلى نتيجة واحدة لا وقت يعطيه المجتمع الدولي والاقليمي للبنان وعلى الأطراف اللبنانية جميعا عدم اللعب في النار والمراهنات الخاطئة التي قد تؤدي إلى انفجار لا يستطيع أحدا إيقافه، لأن أحدا لن يكون متفرغا لمشاكلنا الداخلية.

ولكن يبقى أن عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة فرصة مناسبة لبعض الهدوء الذي ربما يسمح بشراء مزيد من الوقت لدفع المشكلات الأمنية عن وطننا.
ورغم كل الهواجس يبقى الأمل موجودا بحصول تغيرات، ولاسيما ان ينعم البلد بهدوء واستقرار سياسي وأمني ومالي واجتماعي، وان يرتاح الشعب اللبناني في العام 2023 من هذه الطبقة الفاسدة الضاغطة على أنفاس العباد حتى الموت.
كل عام واللبنانيين جميعاً بألف خير.

رئيس تحرير مجلة الحقائق
علي حسني مهدي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى