مقالات ورأي

أيها المسيحيون أتركوا رئاسة الجمهورية

نبيه البرجي
اذا كان هنري كيسنجر قد قال “أزمة الشرق الأوسط ولدت مع الله وتموت مع الله” , من فضلكم , ابدلوا كلمة “أزمة” بكلمة … “أزمات” !
هل حقاًأن قيام لبنان , بحد ذاته , بدل أن يكون أحد تجليات الشرق الأوسط تحوّل الى احدى أزمات الشرق الأوسط ؟ هذا رأي كاهن سوري صديق , وهو باحث في اللاهوت , كان قد لجأ الى لبنان قبل أن ينتدب الى الفاتيكان .
الكاهن اتصل بي سائلاً حول بعض المراجع لاطروحنه الثالثة حول “البعد اللاهوتي” في أزمات المنطقة . بادرني ضاحكاً “تريد أن تعلم أي مستقبل للعالم العربي والذي يضم دولاً تمتلك ثروات نفطية , وغازية , أسطورية ؟ أنظر الى وضع الكهرباء في دول مثل لبنان , وسوريا , والعراق , وحتى مصر وليبيا , وأخيراً السودان ” , ليستنتج “كيف لتلك الأحصنة العرجاء أن تجر عربة”مخلخعة ” تدعى العالم العربي ؟” .
حول لبنان ؟ “ما دام النظام عندكم نظاماً طوائفياً لا يمكن الا أن يكون لبنان مشرعاً على كل الاحتلالات , وعلى كل الاحتمالات . أنتم تتحدثون عن الاحتلال الأميركي (انزال المارينز صيف 1958 ) , والاحتلال الفلسطيني , والاحتلال الاسرائيلي , ثم الاحتلال السوري , والاحتلال الايراني . وفي في ذروة الحرب السورية , كان هناك من يعدّ أطباق الزهر , وأطباق الحلوى , لاستقبال الدبابات التركية . كل هذا خلال عقود من الزمن” .
يدعو القادة المسيحيين الذين , في رأيه , أصابتهم العدوى القبلية الى رفض رئاسة الجمهورية لأن المنصب بات فخرياً , ومن يتقلده لا بد “أن يتنازل , عبر سلسلة من الصفقات , حتى عن هيكله العظمي فقط ليظهر أمام الكاميرات في القصر , ولكن من دون القبعات المئة التي كانت تختال بها الملكة اليزابت …”
الكاهن المثقف يرى “أن مأساة المسيحيين كانت في اعتقادهم أن لبنان دولة مسيحية . وهو قد يكون قد قام , فعلاً , على هذا الأساس ابان محادثات فرساي , دون أن يدركوا أنهم في منطقة مثلما هي على خط الزلازل هي على خط الايديولوجيات . هم موجودون داخل أوقيانوس من المسلمين , وكان يفترض بالمسيحيين أن يكافحوا من أجل الدولة العلمانية , ولكن هل يمكن للمسلمين الذين ترعرعوا على مفهوم “الدولة الاسلامية” أن يرتضوا بذلك ؟” .
لا يمكن أن يتصور امكانية احياء الدولة في لبنان بالمعالجات , أو بالمبادرات , الآنية , رافضاً , بشكل قاطع فكرة الكانتونات كـ”مقابر للأحياء” , وان كان يرى أن فكرة الدولة العلمانية قد سقطت أمام الطوفان الطوائفي الذي يقترب أكثر فأكثر من الانفجار .
في الفاتيكان ثمة خوف كبير على ما يمكن أن يؤول اليه الوضع في لبنان الذي وصفه البابا يوحنا بولس الثاني بـ”الرسالة” . لم تعد الصورة هكذا أبداً . ” من خلال قراءاتي , ومشاهداتي , فضلاً عن آراء المعنيين بالوضع اللبناني في الفاتيكان , أن الطوائفية في لبنان كرست ثقافة الفساد , وقد تحول الى فلسفة حياة في اليوميات اللبنانية سواء كانت سياسية أم كانت أخلاقية” .
لبنان الآن تحت كل اشكال الاحتلالات , “ولا بد أن نقول للبابا يوحنا بولس الثاني ان لبنان لم يعد تلك الرسالة التي تؤدي الى تكثيف المعنى الالهي لتشكل المجتمعات . بات ورقة في مهب الرياح , وأنت تقول في مهب النيران” .
يضيف “قدرنا أننا وجدنا في منطقة لم تشهد الهدوء منذ أن حط آدم في ديارنا , لتبدأ التراجيديا البشرية بقتل قايين لهابيل . الآن , كيف لها أن تهدأ اذا كانت القوى العظمى , وما دون العظمى , ترى فيها مستودعاً للطاقة , مع اعتبار حساسية موقعها الجيوستراتيجي في صراع الأباطرة . اذا شئت , في … صراع الآلهة ” !
في رأيه غالبية البلدان العربية “دول مع وقف التنفيذ” , وكان من الصعب , ان لم يكن من المستحيل ظهور قيادة , أو قيادات لبنانية , تنقل الدولة من منطق الغيتوات الطائفية المشرعة على الخارج الى منطق التفاعل , والولاء المطلق (هارولد لاسكي يصفه بالولاء المقدس) لتراب لبنان بعيدا ً عن اعتماد العتابا والميجانا في الأداء السياسي ؟
حين سألت الكاهن عن الخلاصة التي يريد الوصول اليها في الأطروحة (ومن مناخات الفاتيكان) , أجاب “الحقيقة أنني أخشى أن تتحول الأطروحة الى قنبلة على وشك الانفجار بين يديّ” .
يختم “هذه هي رؤيتي الآن للبنان . أفضل ما نفعله في هذه المرحلة أن ننتظر ما يقوله القضاء والقدر …” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى