أيها الأسد … أين أنت ؟

نبيه البرجي
في عالمنا العربي (يا له من عالم !!) يمتهن المستشارون اقامة الأسوار بين رئاسة الدولة ومواطني الدولة . تلك المسافة الضوئية , المسافة القاتلة , بين القمة والقاعدة . دائماً يقدمون الصورة الوردية , مهما كان الحال كارثياً . ما يتناهى الينا من السوريين , لا سيما الذين يعرفون بولائهم المطلق للنظام , بلوغهم الحد الأقصى من اليأس , وهم يسألون : أين الرئيس بشار الأسد ؟
ما نعلمه عن الرئيس السوري , بعيداً عن البرمجة الأمنية , قربه من الناس . يتمنى أن يكون بينهم , ومعهم , في أي لحظة . ما يحدث الآن يثير الهلع , ليس فقط حول ما يمكن أن تؤول اليه السلطة في سوريا , بل حول ما يمكن أن تؤول اليه الدولة في سوريا .
هل صحيح أن ثمة عودة أكثر ضراوة لاقفال أفواه الناس ان لم يكن بالشمع الأحمر , بالحجارة , لمنعهم من الأنين , بعدما باتت حياتهم أقرب ما تكون الى الجحيم , حتى أن بعض من اتصلوا بي , استعادوا بما كتبته حول قول دانتي في “الكوميديا الالهية” , “في الجحيم , رأيت أناساً لا يعيشون ولا يموتون” !
هذا في كل المناطق , ولدى كل الطوائف , دون استثناء . أكثر من مرة قلنا أن الحروب لا تنتج القديسين , ولكن ماذا حين تنتج ذلك النوع من مصاصي الدماء (هل بتنا أمام شايلوك السوري ؟) . السوريون يتحدثون عن تلك الطبقة , أو المنظومة , التي تتشكل ان في الضوء , أو في الظل . شبق أخطبوطي للاستيلاء على مؤسسات الدولة , ما يهدد بالانتقال الدراماتيكي من الدولة الى اللادولة , وهذا ما يراهن عليه الأميركيون والاسرائيليون .
ليس الحصار الجهنمي الذي فرض على سوريا وحده السبب في التردي المعيشي , وان كان هذا الحصار قد أرغم الدول العربية على عدم تقديم أي شكل من أشكال المساعدات الى سوريا , ليزداد السوريون ليس فقط فقراً على فقر بل وموتاً على موت …
لنكن أكثر صراحة . ثمة من يعتبرون , علناً , أن نوعية العلاقة مع ايران (وأيضاً مع روسيا) هي التي أدت الى الحصار , دون أن يتمكن البلدان الحليفان , المنهكان سياسياً , واقتصادياً , من القيام بأي خطوة انقاذية . حتى أنهما يقفان عاجزين عن التأثير على رجب طيب اردوغان , على الأقل للايفاء بتعهداته , لا سيما بعد قمة الأطلسي في فيلنيوس (ليتوانيا) حيث ظهر الرئيس التركي بقبعة الكاوبوي , لتفتح أمامه الأبواب الموصدة .
عادة يوصف هذا النوع من المواقف بـ”البراغماتية” , وهي هنا الوجه الآخر للزبائنية . لكننا أمام عالم يتغير . لا شيء سوى لعبة المصالح , أو لعبة الأسواق . لا مكان للايديولوجيا في صناعة السياسات , أو في صناعة الأمم , تحديداً بعد زوال الأمبراطورية السوفياتية كنتيجة جدلية للتخلخل الايديولوجي .
ولكن هل يكون البديل في التبعية لأميركا . حتى أن الفيلسوف الفرنسي ادغار موران تحدث عن “ثقافة العبودية” التي تتحكم بالعقل السياسي الأميركي , وحيث لا مجال لمعادلة الند للند , والدليل في كيفية التعاطي مع القارة العجوز على أنها القهرمانة في البلاط الأميركي …
حتى أن التنين لم يجد أمامه سوى انتهاج استراتيجية التسلل الى أسواق العالم وتفادي المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة , بالاستهلاك الهائل للمنتجات الصينية .
الى الأميركيين , السيناريوت التي وضعتها اسرائيل لتقطيع أوصال سوريا , توخياً لاضمحلال الدولة . ولكن هل يبرر كل ذلك فتح الأبواب , على مصراعيها , أمام شبكات المافيا , بشقها السياسي أيضاً , بحيث الحيلولة دون صراخ سكان القبور والوصول الى الأبراج العالية , ونحن على بيّنة من شخصية الرئيس السوري , البعيد كلياً عن أن يكون رجل البرج العالي .
ذلك الصراخ الذي يطرح أكثر من علامةاستفهام . “اين بشار الأسد , وهل حقاً أن انشغاله في احتواء تلك السيناريوات جعل قوى معينة , وبعضها من داخل السلطة , كما السكين في الخاصرة , في حين ينشط الأصوليون (ذئاب تورا بورا) في وضح النهار , ودون الحاجة الى حفر الأنفاق , ريثما تدق ساعة التفجير ؟ في هذه الحال كيف للهياكل العظمية أن تحمي السلطة , أو تحمي الدولة ؟
أجل , قوى من داخل النظام هي التي تتواطأ ضد النظام الذي يقال لنا من اقرب المقربين أنه يزداد هشاشة يوماً بعد يوم (لاحظوا التشبيح على الحواجز , وما أكثرها) .
أيها الرئيس بشار الأسد … أين أنت؟!